اليوم الأحد 23 فبراير 2025، يتم تشييع جثمان الشهيد حسن نصر الله، بعد اغتياله إثر غارة إسرائيلية بعشر طائرات طراز "F 35 I" ألقت أكثر من 8 ألاف طن من المتفجرات تحملها صواريخ خارقة للحصون، ليل الجمعة 27 سبتمبر 2024، وبعد التنقيب والبحث تحت الركام والأنقاض بحارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت، أعلن نبأ استشهاد السيد حسن نصر الله يوم السبت 28 سبتمبر 2024..
صفحة التاريخ المؤلمة اختارت أن يكون الثامن والعشرين من سبتمبر، يوماً من أيام الحزن الخالدة في تاريخ الشعب العربي، ففي ذلك اليوم من عام 1970، انسحب الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر وهو في الـ 52 من العمر.. وفي عام 2024، استشهد حسن نصر الله وهو في الـ 64 من عمره.
الزعيم والسيد.. كانا أيقونة شعبية، كاريزما أحبتها شعوب الدول الأخرى قبل شعوبهم المتناحرة في حبهما والوفاء لهما.. وكلاهما حمل هم المغتصبة وتحريرها من الاحتلال وإقامة دولتها.. وحملت قلوبهما ووجدانهما تحرير العروبة من هيمنة الاستعمار..
الزعيم جاهد لسنوات لدعم المقاومة الفلسطينية، ويحسب له تأسيس منظمة التحرير وجيش التحرير، وانتزاع الاعتراف العربي والدولي بالمنظمة كممثل شرعي للشعب المغتصب، وأخر لحظاته كانت وقف نزيف الدماء العربية بعقد قمة عربية بالقاهرة لعقد مصالحة بين المنظمة والمملكة الأردنية بعد اندلاع مواجهات عسكرية على الأراضي الأردنية بين جيش التحرير والجيش الأردني، وهو ما يعرف تاريخيا بأحداث أيلول الأسود، الذي رفض الرحيل عنا بذكراه المأساوية باغتيال السيد حسن نصر الله لمساندته للمقاومة الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى ضد الاحتلال.
تشابهت الظروف بين الزعيم والسيد، عبد الناصر راودته فكرة تنظيم الضباط الأحرار، أثناء حصاره في الفالوجة إبان حرب 1948، وقام بثورة يوليو المجيدة عام 1952 وهو في سن الـ 34، ليقود مصر نحو المستقبل البناء بالمصانع والمزارع والمدارس والجامعات والمستشفيات وليس الطرق والمساكن فقط، بصراحة صنع ما يعرف بالاقتصاد القومي، وفي أعقاب هزيمة يونيو 1967، أعاد بناء الجيش وخاض حرب الاستنزاف تمهيداً لحرب أكتوبر 1973، ويحسب لناصر مساندة ثورات التحرر العربي والإفريقي..
أما السيد حسن نصر الله فتولى أمانة حزب الله وهو في الـ 32 من عمره، وقام بإعادة بناء الحزب سياسيا وعسكريا، بعد العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006، وساعد حركات المقاومة في اليمن والعراق عسكرياً وتنظيمياً، ومد يد الدعم لفصائل المقاومة الفلسطينية، وساند الدولة السورية ضد المعارضة المسلحة، التي نجحت بفضل مساندة دول عربية وتركيا وأمريكا وإسرائيل وفرنسا وألمانيا وبريطانيا في تسليم الدولة لتنظيم هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقاً، كما دعم المقاومة العراقية لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي.
وليس بغريب أن يكون السيد الشهيد على خطى الزعيم خالد الذكر.. في ذلك السياق أشير إلى ما ذكره المؤرخ الأمريكي المتخصص في تاريخ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا " يوجين روجان".. بأن الشعب اللبناني كان من أكثر الشعوب العربية تعاطفا مع ناصر، الذي اعتبره المواطن العربي زعيمه بلا منازع، مرجعا ذلك إلى كاريزما عبد الناصر التي عززها انتصاره في أزمة السويس (المقصود بها العدوان الثلاثي على مصر وتأميم قناة السويس).. وقال روجان " اللبنانيون المتعاطفون مع عبد الناصر اشتروا الكثير من وسائل الإعلام اللبنانية للمساهمة في زيادة نشر أفكار عبد الناصر عالميا".
كلاهما، الزعيم والسيد جمعهما حب العروبة وحريتها، وفلسطين المغتصبة وتحريرها، وتعرضا أيضا للخيانة والتآمر من جانب بعض الحكام العرب والاستعمار القديم والجديد الممثل في أمريكا، لمساندة كيانهم الصهيوني لفرض سيطرته على الوطن العربي.
عندما انسحب الزعيم خالد الذكر، قال الشاعر السوري اللبناني الهوى نزار قباني كلمات أرى أنها نسجت لتكون رثاءً أيضاً لسيد المقاومة الخالد.. فالخلود بالمناسبة ليس بإطلاق الأسماء على المباني والشوارع، والخطب الرنانة، وكثرة الكاميرات التليفزيونية.. فالأعمال الصالحة للوطن والمواطن هي التي تكرث الخلود.
قال نزار قباني:
قتلناك.. يا جبلَ الكبرياء
وآخرَ قــنديلِ زيت
يضيءُ لنا، في ليالي الشتاء
وآخر ســــيـــفٍ مــــــن القادسية
قتلناك نحن بكلتا يدينا..
وقلنا: المنية
لماذا قبلتَ المجيء إلينا؟
فمثلك كان كثيرًا علينا..
سقيناكَ سـمَّ العروبة، حتى شبعت..
رميناك في نارِ عَمَّانَ، حتى احترقت
أريناك غدر العـروبة، حتى كفرت
لماذا ظــهرت بأرض النفاق.. لماذا ظهرت؟
-------------------------
بقلم: محمد الضبع